تاريخ المغرب الحقيقي
في المغرب يمكن أن يطلع النظام الشعب على كل الأشياء إلا الحقيقة فهي دائما مغيبة. قراءة وحيدة تروج بكل حرية للأحداث و للتاريخ و كل من خرج عنها يتهم بالزندقة و تمجيد الشيطان و الفتنة النائمة. النظام يبدأ كتابة تاريخ المغرب مع قدوم إدريس الأول أو هكذا يحاول تقديم هده الكتابة , و بقدرة قادر أصبحت دعايته الخرافية تقدم هدا الهارب من بطش العباسيين في الشرق , على أنه الجد الأكبر للمغاربة , و القبائل التي حمته مازالت تحمل أسماءها لحد اليوم . أما قبل هدا التاريخ فهو يقدم بأنه عصر ما قبل التاريخ و كل من يحاول تعرية بعض جوانبه بمنهج علمي يتهم بأنصار كسيله " الكذاب " رغم أن هدا الأخير كزعيم قبلي في دلك الوقت ما عرف عنه أنه حمل السلاح و قاوم كما يفعل أي زعيم وطني في هدا العصر - : قوة غازية تحمل شعار نشر الإسلام فيما كتب , لكن بأيديها كانت تحمل سيوفا مصممة على القتل , و عقولا بشرية لا تفكر إلا بسبي المرأة و البنات و تحويلهن آمات و جواري في قصور الأمراء يصلحون لممارسة الجنس بدون قيد أو شرط و كهدايا جميلة لخلفائهم في المشرق .. قاوم قوة مندفعة بهاجس الاستيلاء على أرض الشعب المنهزم و تحويلها إلى ملكية " خليفة الله" و إقطاعات للأمراء المنتصرين , و تحويل السكان الأصليين إلى مجرد مسخرين لإرضاء نزوات و أهواء هؤلاء . إن هدا واحد من الملفات الكبيرة التي يطويها النظام بطريقته " الفريدة " المبنية على الكذب و طمس الأحداث الحقيقية بدعوى تنويم الفتنة , و لا أرى أشد فتنة من ترك المجال لشعوذة و خرافة مضادة يمكن أن تنسج حول هدا التاريخ المنسي و تؤدي ‘إلى نتائج كارثية , و لا أشد فتنة من النار المشتعلة على صدور و ظهور الجماهير الشعبية ابتدءا من الشارع الأخضر جنب قبة البرلمان إلى مختلف الجامعات إلى القرى النائية و لم يسلم منها حتى المكفوفون ...و يمكن الجزم بأن النظام يطمح إلى بسط سلطته على الشعب المغربي بمحو تاريخه الحقيقي وهو ما يتضح حتى مع الفترة التي تلت دخول إدريس الأول للمغرب أي ابتدءا من القرن 8 م بالنسبة للنظام كل شيء مسموح بتزويره لإعطاء الشرعية للأسرة العلوية التي أخدت بزمام الحكم بعد منتصف القرن 17 م . و حدها مآثر هده الأسرة تحظى بالعناية و لها حق البقاء , فحتى قبور السلاطين الدين حكموا المغرب بين القرن 8 م و منتصف القرن 17 م لم تسلم من الإتلاف و النسيان : قبر يوسف بن تاشفين مثلا الذي تعدت شهرته شمال إفريقيا صمد لقرون و شخصيا أجهل السر في دلك , إلا أن وجوده الآن بجانب ساحة جامع الفنا كموقع سياحي هام داخل بيت صغير لا يتعدى بضعة أمتار بدون حراسة إلا حراسة المشردين الدين ينامون به في الليل و بدون علامة تدلك عليه , يظهر أنه استعصى على النظام إتلافه . أما الدين ثاروا ضد هده الأسرة أو كانت لهم أفكار تزعجها فحدث و لا حرج , جثمان الزعيم الوطني محمد بن عبد الكريم الخطابي لازال محكوما عليه بالنفي في مصر و قصر حكومته جمهورية الريف التي قاومت الاستعمار الإسباني الفرنسي تساقط و سوي الجزء الأكبر منه مع الأرض و أصبح على وضعيته كأنه من بقايا حقبة ما قبل التاريخ الميلادي للمسيح . و حاليا للنظام أوراشا يشتغل عليها و تعد أكثر استفزازا للشعب المغربي لأنه يكذب على أحداث عشناها أو عايشها بعض الناس لا زالوا على قيد الحياة . و تتعلق بالمقاومة المسلحة للاستعمار المباشر و ملفات الاغتيال السياسي و الاختطاف و الاعتقال التي تعرض لها مناضلو حركة التحرر الوطني ببلادنا . في علاقة بالملف الأول شكل في بداية عهد الاستقلال الشكلي مجلسا للمقاومة و جيش التحرير , و إلى يومنا هدا فلا هو أنصف المقاومين و رجال جيش التحرير و لا قدم حقيقة ما قاموا به . قدم للبعض تعويضات مادية لإضفاء الشرعية على نظام هو من استقدم المستعمر الأجنبي لبلادنا عبر اتفاقيات حمايته و هو من وقع على الظهائر التي وفرت الغطاء القانوني لقتل الآلاف من طرف هدا المستعمر .هدا المجلس أيضا شارك في جريمة الصمت اتجاه التصفية الدموية التي تعرض لها المقاومون و رجال جيش التحرير الدين رفضوا اتفاقية الاستعمار الجديد خلال سنوات الخمسينات و الستينات . هدا المجلس جرجر الكثيرين بدون تعويضات حتى وافتهم المنية . أما القراءة التي يحاول طبعها على ذاكرة المغاربة هي أن المقاومة بدأت مع توقيع عريضة المطالبة بالاستقلال و تفجرت مع نفي محمد الخامس إلى جزيرة مدغشقر , وتوجت بمفاوضات " بطولية " في – إيكس ليبان -, ويجتهد لإخفاء الحقائق التي تفضح الخونة و العملاء و تؤسس لمستقبل واعد . لكن المقاومة المسلحة التي نظمتها القبائل المغربية في الريف في الأطلس و في الجنوب فإنها تتلقى أبشع حملات التشويه وتتعرض لمحاولات الطمس و الإقبار , لأنها و بكل بساطة ثارت على السلطان و على ممثليه المحليين و أعلنت الاستقلال في تدبير شؤونها الداخلية قبل دخول المستعمر خاصة في أواخر القرن 19 م . مكنها هدا الاستقلال من بناء قوتها الذاتية للدفاع عن أرضها و الامتناع عن دفع الضرائب الجائرة و أعمال السخرة و الإهانة التي كان يفرضها السلطان و قواده عليها , و ساعدها للوقوف سنوات عديدة في وجه قوات الجيش الغازية ( حتى منتصف الثلاثينات من القرن 20 م ) , بعكس القبائل التي كانت خاضعة للسلطان و قاومت بأيادي فارغة لأنها ممنوعة من حيازة السلاح و تربية الخيول ( قرر هدا المنع السلطان إسماعيل العلوي على كل القبائل المغربية و بقي السلاطين من بعده يطبقونه إلا إدا أوعزهم الضعف عن دلك ) . و كان تدمير هده القوة الذاتية من بين نقاط الالتقاء بين الاستعمار الأجنبي و النظام آنذاك و استحق انتصار المستعمر في هده الفترة التي سموها " حرب التهدئة " رسالة تنويه من طرف ماكان يسمى الحركة الوطنية المرتبطة بالعرش . و لأنها كانت تشكل تهديدا دائما لأعداء الشعب , فقد أولت القوى الاستعمارية لقوة القبائل المستقلة أهمية خاصة من خلال تقارير الرحلات الاستكشافية أو اللجان العلمية التي شكلها الفرنسيون لدراسة المجتمع المغربي . و من الدين اهتموا بالموضوع شارل فوكو الذي قام برحلة إلى الأطلس المتوسط خلال سنتي 1883/1884 و كتب على إثرها تقريرا سماه reconnaissances au maroc .
و مما جاء فيه أن قبيلة زيان تتوفر على 18000 فارس محارب ( بني حسوسن – آيت حركات – آيت سيدي علي و ابراهيم – هيبارن ) . و قبائل تادلة المستقلة تتوفر على 24000 فارس محارب ( بني زمور – السماعلة – بني خيران – ورديغة – كطاية – بني مدان بني عمير – بني موسى ) لكل واحدة حوالي 3000 فارس . هؤلاء المحاربون هم بشكل خاص رجال القبيلة الدين تدربوا بشكل جيد على الرماية و ركوب الخيل مند الصغر إلى جانب القيام بأعمالهم اليومية ( تربية الماشية و الزراعة ....) و كانوا في الغالب يتوفرون على سلاح ناري من النوع الخفيف يطلق عليه في بعض المناطق " ساسبو ". يمكن أن أسجل عددا من الاختلالات في الأنظمة الداخلية لهده القبائل المستقلة و عددا من الانحرافات في تطبيقها , إلا أنها كانت أكثر ديمقراطية من القوانين المفروضة على باقي القبائل الخاضعة للسلطان و كانت تحقق إنسانية افتقدها الفرد تحت سلطة قواد القصر و افتقدتها هده القبائل بعد غزو الاستعمار لأرضها . و لأن النظام في دلك الوقت كان يعرف مدى تشبث القبائل باستقلاليتها فقد أصدر السلطان يوسف العلوي ظهير بتاريخ 11 شتنبر 1914 يعترف بالقانون العرفي و يدعوا إلى احترامه . و لاستمالة القبائل الثائرة و دفعها إلى تسليم السلاح أصدر عددا من المراسيم و الظهائر في هدا الاتجاه كان أبرزها ظهير 16 ماي 1930 الذي وقعه محمد الخامس بن يوسف هدا الظهير فيما يتعلق بإقرار العرف لم يأت بجديد لأن المحاكم العرفية كانت موجودة في المناطق المستقلة و تحظى باحترام الأفراد و تقديرهم لأنهم ساهموا بشكل ديمقراطي في تشكيلها من رجال يتسمون بالنزاهة من كل الدواوير أو الفخدات داخل القبيلة . أما الجديد الذي أتى به هو محاولة إدماجها في النظام الاستعماري من خلال الاعتراف بها من خلال مراسيم وزارية ( الفصل 8 ) , وتعيين مندوب عن الحكومة لدى كل محكمة تعينه سلطة المراقبة الجهوية ( الفصل 5 ) , و نزع الاختصاص منها فيما يتعلق بالجنايات لفائدة المحاكم الفرنسية ( الفصل 7 ) ., إن المقاومة المسلحة المنظمة من طرف القبائل كانت تقاتل من أجل أن تبقى هده المحاكم و كل أجهزتها و شؤونها مستقلة بشكل كامل عن الاستعمار و عن السلطان حليفه , بعكس ما كان يسمى آنذاك " الحركة الوطنية " التي سارعت لقراءة اللطيف في المساجد كي تخضع هده المحاكم لسلطة السلطان الذي كان بدوره يخضع لحماية المستعمر الأجنبي بموجب اتفاقية 1912 و كان لها ما أرادت من خلال التعديل الذي جاء به ظهير 8 أبريل 1934 و بموجبه أدمجت القضايا الجنائية في محاكم القائد أو الباشا التي ستخضع للمحكمة العليا الشريفة . و هنا لا يتسع المجال للنبش في السجل الأسود لمحاكم القواد و الباشاوات بعد هدا التاريخ .
إن مقاومة القبائل التي نظمت بشكل مستقل عن القصر و لم تروج لصورة السلطان على القمر و لم ترفع الشعارات التضليلية كالتحام العرش و الشعب , تتعرض الآن للتشويه و للطمس لهدا السبب و من خلال اتصالات شخصية ببعض المسنين في هده القبائل ذكروا بأنهم كانوا يختمون دعاء " أجماعة " بأن لا تشق الطرق أرضهم و أن يحميها الله من " المخزن " لإدراكهم بأنهم في وضعية حرب أمام غزاة أكثر عدة و عتادا ووعورة مكان المقاومة يشكل أحد مقومات الصمود . الآن بعد انتقال معظم الدين عايشوا الحقبة إلى مثواهم الأخير , نحن لسنا في حاجة إلى مجالس مؤقتة أو دائمة أو لجن يشكلها النظام كي تعطينا الحقيقة , نحن في حاجة إلى رفع السرية عن ملفات الحقبة ووحدهم مناضلو الشعب مؤهلون للبحث فيها و إعلان الحقيقة .
هده فقط بعض الملاحظات الهامة التي وددت تسجيلها فيما يتعلق بملف المقاومة المسلحة , و تبقى ناقصة جدا لأن الأكاذيب التي نسجها النظام و يروجها عبر الكتب الدراسية للتلاميذ و الطلبة و عبر وسائل الاتصال الأخرى كثيرة و لا يمكن حصرها في مقالة كهده . أما فيما يتعلق بالملف الثاني , فهو يحاول الآن مسح التاريخ الأسود الثقيل الذي يجره وراءه من بداية الاستقلال الشكلي إلى يومنا هدا , تاريخ الجرائم الفظيعة التي ارتكبها في حق الجماهير الشعبية التي سرعان ما انفضحت أمامها خيانة إيكس – ليبان و أصبحت تصدم يوميا بنتائجها . و يمكن أن أسرد على سبيل المثال :
- التصفية الدموية لأعضاء المقاومة و جيش التحرير الدين رفضوا تسليم السلاح حتى الحصول على الاستقلال الحقيقي خاصة في سنوات 1958-1959 .
- قمع الانتفاضات الشعبية التي استعمل فيها الجيش بمختلف أسلحته في سنوات 1965-1981-1984-1990...إلخ . كانت الجماهير خلالها خرجت للاحتجاج على أوضاعها المعيشية المزرية .
- اجتثاث الحركات السياسية الثورية و الانقلابية عن طريق الاختطاف , الاغتيال والاعتقال بالجملة و التعذيب , وما كتب عن المعتقلات السرية : درب مولاي الشريف , قلعة مكونة , تزمامارت , السجن الأخضر بتمارة...ليس إلا الجزء اليسير وما خفي هو الأعظم .
لأن هدا التاريخ فريد في دمويته , و أمام الدعاية النضالية التي قادها المعتقلون و عائلاتهم حتى بعد خروجهم من السجن , و عائلات المختطفين و المنفيين مسنودة بجميع الشرفاء في الوطن و خارجه , فقد أراد النظام أن يكون طي هدا الملف فريدا أيضا في العالم . فسعى إلى تكسير هده الحملة بتشكيل " لجنة الحقيقة و الإنصاف " حتى يكون في مستوى الرد . بحيث شكلها من أسماء بارزة من ضحاياه السابقين و عملت مدة من الزمن بقيادة حملة دعائية لتجميل وجهه وقبل أن تحل نفسها سلمت تقريرا سريا لمحمد السادس قالت أنها الحقيقة التي بحثت عنها خلال فترة اشتغالها . وأعلنت بدلك المصالحة باسم جميع الضحايا و باسم العائلات التي مازالت تبحث عن مصير أبنائها المختطفين و باسم الشهداء , دون تقديم المجرمين إلى المحاكمة . و هكدا يتضح أن ما كان يسعى إليه النظام من هده المناورة هو القيام بحملات و تمارين للشعب كي ينسى تاريخه , وشخصيا لن يفاجئني إدا ما رأيت أقلامه تؤرخ من الآن لهده الأحداث في الكتب المدرسية , بأن ما كان يسمى في النصف الثاني من القرن 20 م بالمعتقلين و المختطفين هم مجرد " مرتزقة " أرسلتهم بعض القوى التي حسدت المغرب على " استقلاله " لهدا فتوثيق نضالات الشعب مهمة حقيقية يجب أن نقوم بها بشكل علمي و أن نوليها ما تستحقه كي لا نترك الأقلام المأجورة تكتب ما شاءت . و هي تبحث عن كبش فداء تمسح فيه هده الجرائم حتى تنقد النظام من مسؤوليتها , و تستند إلى الآلة الإعلامية الضخمة التي تروجها و ليس إلى قوة أدلتها .فتارة توجه الاتهام إلى البصري أو بعض المسؤولين في وزارة الداخلية , وتارة إلى أوفقير أو بعض المسؤولين في الجيش و اللائحة قد تطول . هؤلاء المسؤولون في أجهزة النظام مجرمون قاموا بأعمالهم عن وعي كامل و خدمة لمصالحهم الطبقية بشكل رئيسي , إلا أنة انتظار خمسين سنة كي تشكل لجنة تبحث في الحقيقة و تقدم تقريرا في هدا الشأن إلى الملك لأنه لم يكن على اطلاع بها هو عذر أكبر من الزلة . فالملك كمؤسسة رئيسية في النظام السياسي القائم بالبلاد و بحكم الدستور الذي وضعه لنفسه هو " المسؤول الأول عن أمن و سلامة المواطنين " , فأن تقع كل هده الأحداث في غير علمه و بدون موافقته و طيلة هده المدة يجب أن يدفعهم هدا إلى الخجل من أنفسهم و بدل الدعاية لفائدته عليهم أن يقدموا النظام برمته إلى المساءلة و المحاكمة لان أعلى مؤسسة في هرمه على الأقل مقصرة أو عاجزة عن القيام بمهامها الدستورية . إن الدعاية الإعلامية للنظام التي نفت سابقا وجود معتقلين سياسيين بالمغرب , ليست لها حدود في الكذب على التاريخ , و أجهزة النظام لا تتوقف في محو آثار جرائمه . إذ تم تهديم سجن تازمامارت و سوي بالأرض حتى تصبح الحقيقة مستقبلا مجرد أساطير , و حتى المقبرة الجماعية التي اكتشفت مؤخرا لشهداء انتفاضة 1981 بالدار البيضاء داخل إحدى ثكناته تم إتلاف معالمها و نقل الهياكل العظمية منها, ..و ربما في المستقبل إدا تراجع المناضلون عن مهمتهم الجسيمة ستنفي هده الدعاية كل الجرائم و تحولها إلى مجرد قصص و أفلام خيالية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق